أعراس جماعية ومنح في إطار الولاءات لا تعكس حال الناس في غزة ولا همومهم ولا جرحهم وهم من يسألون كل صباح: ماذا بعد؟ ماذا بعد أن يستمر الانقسام لأربعة عقود ويتأخر الإعمار العمر كله؟ وينتهي مشروعنا الوطني بكانتونات سكانية متجزئة؟ ولا يبقى للمعبر قيمة ولا للدولة قيمة ولا للاستقلال قيمة ولا حتى للهوية أي معنى؟
ما جدوى استمرار الانقسام؟ وهل ستغير الأيام ما في العقول وما في النفوس؟ ومن المستفيد من معركة المراوحة الحالية؟ وهل انتصر حزب على آخر عبر مسيرة التاريخ بالسحق والقمع والتنكيل؟ وماذا عن المحتل الذي يستثمر استمرار الانقسام لينفذ وبسرعة فلكية مسلسل إنهاء الجغرافيا والانسحاب احادي الجانب من الضفة؟ وكيف سيكون شكل الهوية الفلسطينية بعد أن أصبحنا فعليا خمس كتل بشرية في شعب واحد؟ كتلة غزة وكتلة الضفة وكتلة القدس وكتلة الداخل وكتلة الشتات!
حال يسألنا عنه الناس في غزة ونسأل أنفسنا عنه ونسأل غيرنا عنه أيضا والنتيجة: لا جواب بل محصلة صفرية عدمية من المراوحة. مراوحة المعاناة ومراوحة الفقر ومراوحة البطالة بينما يبقى الكثيرون منا على متلازمة الأمل. وعليه ولربما من المفيد أن نجتمع فلسطينيا على السؤال المهم والكبير: فلسطين إلى أين؟ ماذا بعد؟.
إن الانتصار على الخصوم لا يأتي عبر النار والقمع والتنكيل، ولو كان الحال هكذا لاستطاعت إسرائيل أن تنتصر على الهوية الفلسطينية وتغتال وجودها. لذا فلا أمل يرجى في غزة من معركة تصفية الخصوم أو دحرهم، كون الهزيمة الحقيقية تأتي عبر إبطال حجة الخصم وعكس هذا الإبطال على صندوق الاقتراع.
والاحتكام لصندوق الاقتراع ليس سمة مؤقتة ولا طفرة انتقالية وإنما نمطا وسلوكا وممارسة وفعلا، وعليه فإن الخروج من عنق الزجاجة عبر الانتخابات لا بد وأن يوفر فرصة لتحديد النسيج السياسي الفلسطيني من حيث الحجم والحضور والاستمرارية، ليس فقط على مستوى السلطة الوطنية بل أيضا على مستوى منظمة التحرير.
لقد مل الشارع الفلسطيني الحديث المتكرر عن إنهاء الانقسام كما مل الحديث المتكرر عن الحجج والذرائع للتعطيل سواء بتعطيل الحكومة أو تعطيل العمل برمته. ملاذنا الوحيد لن يكون إلا فلسطينيا صرفا وخالصا وهو لن يكون إلا بإرادة فلسطينية شاملة تفتح حوارا جادا وهادفا ونهائيا.
فمعادلة استدامة الانقسام في ظل قضم الأرض وتهويد القدس وتأخر إعمار غزة وانسداد الأفق السياسي واستمرار معاناة الأسرى بل الشعب برمته، معادلة فاشلة وكارثية وانتحارية، وهي بمثابة وصفة العاجز عن تقدير الأمور والتمحيص في كامل تفاصيلها وأبعادها ومآلها.
وعليه فإن الانتقال من مرحلة التمترس وراء المواقف إلى مرحلة التمترس وراء الحلول سيكون بمثابة الهجوم المضاد في وجه اليأس والإحباط وتفاقم ظواهر ميدانية غريبة تستثمر في إحباط الناس وتقهقر حالتهم المادية والمعنوية. فهل تشهد الأيام والأسابيع المقبلة انتصارا على اليأس أم انفكاكا كاملا عن المشروع الوطني ويبقى السائل في غزة والوطن على سؤاله؟.