قرار رفع الدعم.. حقائق وأسئلة!
عبدالنبـي سـلمان - نائب الأمين العام للمنبر التقدمي ورئيس اللجنة السياسية (سياسي)
«01-ديسمبر-2010»
حتى الآن لم تجب الجهات الرسمية المعنية على جل التساؤلات المطروحة والتي هي مدار بحث واستقصاء من قبل مختلف شرائح المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني، والمرتبطة بتوجهاتها الجديدة التي من الواضح أنها تستبق بها افتتاح الفصل التشريعي الثالث، والقاضية برفع الدعم عن المحروقات والسلع الغذائية الأساسية، وهي التصريحات المعلنة على لسان وزير المالية الشيخ احمد بن محمد آل خليفة وما تبعها لاحقا من تبريرات رسمية قدمها وزير شؤون النفط والغاز الدكتور عبدالحسين ميرزا، مما يعني أنها توجهات ربما تكون قد أعدت ودرست من طرف الجانب الرسمي دون أن يتم الإفصاح عنها بعد على الأقل بشكل يتجاوب مع ما يطرحه الشارع والمهتمون بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي وبما يرتبط بهذه القضية الأساسية من مرتكزات اجتماعية واقتصادية هامة، لا نعتقد أن الحكومة تجهلها وهي المعنية دستوريا ومعنويا بضمان الحياة الكريمة لجميع مواطنيها، وما سياسة الدعم تلك سوى جزء مهم من تلك المسؤولية التي حافظت عليها الحكومة في ظروف سياسية واقتصادية متباينة ولعقود مضت، لكننا لم نجد بعد مبررا موضوعيا لإلغائها أو التخلي عنها دون تقديم مبررات موضوعية نعتقد أنها يجب أن تنطلق من مفهوم عام وشامل ألا وهو مبدأ توزيع الثروة، حيث ان الجهات الرسمية وحتى هذه اللحظة ربطت سياسة الدعم تلك بجزئية هامة وهي معدلات الأجور والرواتب، والتي بنت عليها موازناتها وتقاريرها أمام المؤسسات الدولية والأهلية!
وربما كان آخر مظاهر الرفض الشعبي المعلنة هو ما جاء في بيان كتلة المستقلين النيابية، وقد سبقها إلى ذلك بيانات لجمعيات سياسية معارضة ومؤسسات مجتمع مدني لها ثقلها في الشارع، وهو رفض يتسق منطقيا وموضوعيا مع النظرة الشعبية العامة تجاه مخاطر رفع الدعم، ولعل هناك الكثير في هذا الشأن مما يسمح لكل تلك القوى أن تفصح عنه، على اختلاف تلاوينها وانحيازاتها بما فيها تلك المحسوبة أو القريبة من الجانب الرسمي، فالمخاوف المتوقعة من زيادة التضخم في حال إقرار تلك التوجهات الجديدة هي نتيجة مباشرة ومتوقعة لا مفر منها، كما إن تراجع الشرائح الوسطى من المجتمع هي نتيجة لا خيار آخر يجدي معها إذا نجحت الحكومة في تمرير قرار رفع الدعم. ظاهرياً ربما يبدو ما أعلنه وزير النفط والغاز حول عدم زيادة أسعار المحروقات منذ الثمانينات مقبولا بعض الشيء، لكن دعونا نتساءل بمشروعية أيضا وبمنطق الأرقام وقياس حجم التضخم حول ما افرزه الوضع الاقتصادي من أوضاع اقتصادية واجتماعية طيلة العقود الثلاثة الماضية حتى الآن، فهل نستطيع أن نتلمس طيلة تلك السنوات زيادة عامة واقعية في أجور ومداخيل العاملين في القطاعين العام والخاص مثلا؟ أم هل نكتفي بتطوير البنية التحتية من طرق وجسور وننسى الزيادة المضاعفة في عدد السكان والحاجة لنظام مواصلات متطور كالقطارات الكهربائية السريعة وغيرها، بدلا من الحديث حول جدوى استخدام النفط الجيد أو الممتاز مثلا!! وهو نظام مهم ومطلوب لكنه يسير كالسلحفاة حتى الآن ولا ندري لماذا! وعلى الرغم مما خلقه التضخم السكاني من ضيق ملحوظ في المساحة الجغرافية ومن مشاكل أخرى متعددة عكست نفسها على مستويات الإنتاجية ومعدلات التلوث ومعدلات وفيات حوادث الطرق وارتفاع أسعار الخدمات، وكلها أمور ترافقت كما ونوعا مع اشكالية التخطيط تجاه ما يجري من حركة تحديث وتطوير عمراني وسكاني!! كما إننا نتساءل ببساطة هل بالإمكان قياس حجم مديونية العامل البحريني والعائلة البحرينية البسيطة والمتوسطة الدخل الآن مقارنة بذات الفترة الزمنية التي تحدث عنها الجانب الرسمي؟!
نقول.. نعم من حق الحكومة أن تدرس وتراجع سياساتها بين فترة وأخرى تبعا للمستجدات الاقتصادية والاجتماعية، ولكن عليها قبل أن تقدم على خطوات من هذا القبيل وأن تطرح البدائل أمام الناس والمشرعين كذلك، حتى يمكنها أن تؤسس لقناعات تخدم توجهاتها وتكون مدروسة ومقبولة من السواد الأعظم من الناس، فليس من المنطق بالنسبة لنا ونحن نعيش فترة ركود اقتصادي أضحت معالمها واضحة للعيان أن نقتنع بجدوى هكذا خطوة يراد لنا أن نقدم عليها، خاصة إذا علمنا أن هناك مشاريع لن يطول زمن الإفصاح عنها، ومن بينها رفع اشتراكات التقاعد والذي سيقضم من الرواتب، كما إن الحكومة قد أعلنت أو سربت مرارا أنها في وارد التفكير في إيجاد نظام ضريبة الدخل وغيرها، فهل ستسعف توجهات رفع الدعم عن السلع الحكومة في المضي قدما في تحقيق ما أضحت تفكر فيه من مشاريع، إضافة إلى ذلك يمكن أن نطرح سؤالا كبيرا على الجهات الرسمية أن تجيبنا عليه وهو: هل تتماشى سياسات رفع الدعم مع ما تطرحه رؤية البحرين من توجهات وصولا لعام 2030، وهل هناك بدائل اقل كلفة وتأثيرا على الناس أم لا؟! وأخيرا وليس آخرا ماذا عسى وزارة التنمية الاجتماعية أن تعمل حينذاك في حال تم تمرير قرارات رفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات مع مئات الأسر التي ستضاف حتما إلى قائمة من يتلقون مساعدات اجتماعية وتقدرهم الجهات الرسمية بـ 14 ألف أسرة حتى الآن؟! أسئلة نطرحها للتمعن والدراسة.
صحيفة الايام
1 ديسمبر 2010