أيهما أشد إيلاماً «الفتنة الطائفية» أم «التفرقة الطائفية»؟
الطائفية كلمة منبثقة من «الطائفة»، والطائفة جماعة أو عصبة من الناس يجمعهم مذهب واحد وعقيدة واحدة، أو فرقة يجمعها رأيٌ أو فكرٌ يمتازون به. وقد جاء ذكر «الطائفة» في القرآن الكريم بما يحمل معنى «الجماعة» حيث جاء فيه: «وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما».
أما «الطائفية» فتعني «العصبية» أو التَعَصَّب لطائفة معينة، وبالتالي فإن «الطائفي» هو ذلك المتعصِّب لطائفته، ويوصف بــ «العصبي».
و«العصبي» يُعرف (كما جاء في المعجم اللغوي) بأنه من يعين قومه أو جماعته على الباطل، أو يحامي عن ملته فيغضب لها ويناصرها وينصرها أياً يكن موقفها على الحق أم على الباطل.
وبهذا نخلص إلى القول: «إنَّ الطائفي هو الذي يُعين طائفته أو المجموعة التي ينتمي إليها ويتعصب لها ويناصرها على الباطل». وهذه الخلاصة يحملها قولٌ مأثورللإمام علي بن الحسين (ع): «العصبية التي يأثم صاحبها ان يرى الرجل شِرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية ان يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية ان يعين قومه على الظلم».
وعليه نصل إلى نتيجة هي أن «الطائفية» متصلةٌ ومرتبطةٌ بالعصبية، فلا طائفية دون تعصَّب، ولا وجود للطائفية إنْ لم تـُمارس ظلماً لحساب طائفة معينة بذاتها.
فتلك إذاً هي «الطائفية» أو «التعصّب الطائفي» الذي يؤثم عليه صاحبه، لأن الطائفية بهذا الوصف ليست من الإيمان بشيء، بصريح الحديث الشريف «من تعصَّب فقد خلع ريق الإيمان من عنقه».
وقد استخدم المستعمر الأوربي الصليبي إبان استعماره للدول العربية والإسلامية سلاح التعصب الطائفي ليصل عن طريقه إلى الفتنة الطائفية لتمزيق أواصر الشعوب المستعمرة وتفتيت وحدتها، على أساس القاعدة المعروفة التي اعتمد عليها وهي «إنْ أردت أن تهزم أمة أو يسود حكمك فيها فرِّق بين أهلها»، أي على أساس نظرية «فرِّق تسد».
ولهذا رأى المستعمر آنذاك أن أسهل طريق للوصول إلى هذه الغاية هو زرع الفتنة الطائفية القائمة على بث روح التعصب الطائفي والنعرة المذهبية. وللأسف قد نجح في ذلك إلى حدٍ بعيد، وخاصة فيما بيننا بفضل تُبَّعٍ وأذناب من الداخل ممن باعوا آخرتهم بدنياهم. فظلت تلك القاعدة حتى يومنا هذا منهجاً ونبراساً تعتمد عليها بعض الأنظمة حتى بعد أفول الاستعمار. بل إن من المضحك المبكي أن هذا النمط أخذ يستخدمه بعض المديرين (حتى الصغار منهم) كأسلوب للتفرقة في إداراتهم كي لا يتوحد الموظفون ضدهم فيؤدي ذلك إلى الإيقاع بهم وفقد مناصبهم. وهذا الأسلوب سبق وأن وقعنا فيه من قبل ويقع فيه أبناؤنا اليوم على أرض الواقع .
بيد أن ما نتوجع منه كثيراً ليس تلك «الفتنة الطائفية» القائمة على ذلك السلوك المتمثل في «بث روح العصبية الطائفية أو إثارة النعرة المذهبية»، وإنْ يكن هذا السلوك مؤلماً وموجعاً بالفعل، إنما الإيلام أو الوجع الأكبر هو عندما يُستخدم هذا السلوك للنيل من طائفة لحساب طائفة أخرى، أياً تكن هذه الطائفة (سنية، شيعية، زيدية، مسلمة، مسيحية وغيرها) تحت ما يُعرف بــ «التفرقة الطائفية» وهي الأشد والأقسى من «الفتنة الطائفية»، ذلك لأن الأُولى تقوم على فعلٍ حركي ونظام ممنهج يـمس مباشرةً حياة الناس ومعايشهم وأرزاقهم وحقوقهم ومصالحهم وكراماتهم وآمالهم وحتى أمانهم وسلمهم، كما تفعله اليوم الصهيونية العالمية مع غير ملتها، وتفعله الحركة الصليبية في مواجهة المسلمين. بينما الثانية «الفتنة الطائفية» تنحصر في الخطاب التحريضي فقط. وكأننا هنا أمام معادلة وهي أن «الفتنة الطائفية» تعادل التحريض على الجريمة، في حين أن «التفرقة الطائفية» تعادل الجريمة بعينها. والفارق بينهما هو أن الأُولى «الفتنة الطائفية» لا تحتاج إلاّ لبوقٍ أو بعض الأبواق مهمتها التحريض والدعوة إلى الفتنة، أما الثانية «التفرقة الطائفية» حيث هي جريمةٌ كما قلنا ضحاياها شريحة من المجتمع المدني لا يمكن لها أن تقوم إلاّ وفق نظامٍ ممنهج وبوسائل متعددة تفوق قدرة ضحاياها.
ولا يجوز لأحد أن يسمي الأسماء بغير مسمياتها ليلوي عنق الحقيقة، حسبما سمعناه مِن بعض ممن ادعوا المعرفة حين عرفوا «التفرقة الطائفية» بغير تعريفها الصحيح. فتعريفها الصحيح المتفق عليه هو أنها «التفضِيل والتَمييز» وفقاً للتعريف الذي اعتمدته الاتفاقيات والقرارات الدولية، وتوصيات منظمات حقوق الإنسان. بل إنَّ أوثق وأصدق قولٍ هو ما ورد في الحديث، إذ يقول «لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلاّ بالتقوى». أي لا تمييز ولا تفضيل بين العربي والأعجمي إلاّ بتقواه.
وبهذا نخلص إلى أن «التفرقة الطائفية» جريمةٌ تعني التمييز الطائفي بكل معنى الكلمة، وهي رأس الطائفية الآثمة المقيتة وعينها وقلبها، لكونها قائمةً على ظلم العباد، وعلى البغي والغدر والحقد والغبن وعدم الإنصاف والانحراف عن مبدأ المساواة وعن الحق ومجانبة العدالة، فهي بالتالي جامعة لكافة الرذائل. وهذه هي المحور الأهم الذي توقفت حوله أقلام الشرفاء الأحرار وقلوب المؤمنين وضمائر دعاة الحق، والتي يصعب على كل باحث أو خبير أينما اتجه وفي أي أرض وقع أن يحصي تطبيقاتها.
ولسنا اليوم بصدد الإشارة إلى تطبيقاتها، فقد يطول اليراع لو أننا اتجهنا إلى ذلك. غير أن ما يدفعنا إلى الإشارة في هذا الجانب، هو عندما نجد الأقلام، والإعلام، وذوي ضجيج الكلام، كلها قد استأسدت لمحاربة «الفتنة الطائفية»، ولم نجدها هكذا تفعل مع «التفرقة الطائفية».
وهنا نسأل: هل إن «التفرقة الطائفية» انقرضت ولم يعد لها من وجود مما لا يستدعي التصدي لها؟
أم أن أولئك وجدوا «التفرقة الطائفية» هي أقل إيلاماً من أختها، أو أنها لم تعد مؤلمة، فآثروا الصمت حولها؟
علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2956 - الأحد 10 أكتوبر 2010م الموافق 02 ذي القعدة 1431هـ