التعاون والتكافل سمة المجتمع الحي
رؤى من افكار الامام الشيرازي
شبكة النبأ: في شهر رمضان المبارك يقترب الناس من بعضهم أكثر، وتجمع بينهم روح الألفة والتراحم، ويبدأ الفرد يشعر بالآخرين ويحاول أن يسعى في مساعدتهم، والمشاركة في تذليل مصاعبهم، ولعل الغاية من فريضة الصيام، هي دفع الغني الى الشعور بما يعانيه الفقير من حاجة ماسة للطعام وسواه من عوامل الحياة الكريمة، فضلا عن تربية النفس على السمو، وتنمية الجانب الروحي على حساب المادي، لكي يصبح الانسان اكثر قربا من اخيه الانسان، واكثر تفهما لاحتياجاته المادية والنفسية وسواها.
إن المجتمع يحتاج الى سمة التعاون، بل ينبغي ان تشكل هذه السمة جوهر المجتمع، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف، اذا لم يتحول الانسان الفرد في المجتمع، من شعوره الذاتي الفردي الضيق الذي يتسم بالانانية وتفضيل النفس على الاخرين، الى الشعور الجمعي الانساني الذي يفكر بالفائدة الجماعية والمصلحة العامة، فكلما كانت سمة التعاون عامة يتسم بها افراد ومكونات المجتمع كافة، كلما كان المجتمع اكثر قربا من النجاح والتطور والاستقرار.
لهذا السبب، يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاخلاق الاسلامية)، على: (إن التعاون سمة الجماعة النشيطة، والتفكك طابع الأمة الخاملة).
روح الجماعة وهاجس المشاركة
في المجتمع الذي يبحث عن فرص التقدم دائما، هناك هاجس مشترك وروح جماعية، تذهب الى التكاتف والتقارب والتعاون المتبادل، والشعور بالآخر، ونبذ الشعور الفردي القائم على الانانية، وهكذا يمكن لمثل هذا المجتمع الذي يتسم بالروح الجماعية، أن يحقق اهداف الجميع، لذلك نلاحظ ان هناك امما كبيرة من حيث التعداد السكاني، كانت تقبع في حضيض الفقر والجهل والتخلف، استطاعت ان تطور نفسها وتبني مجتمعا متطورا يشار له بالبنان.
فحتى وقت قريب كانت الهند بنفوسها التي تفوق المليار والربع، أمة يأكلها الفقر ويدمرها المرض ويعيث بها الفساد، لكنها من خلال سمة التعاون والتقارب والتكافل ونبذ الانانية الفردية، استطاعت ان تشكل مجتمعا ينتمي الى المجتمعات المتقدمة، وهي تحث الخطى قدما الى تحقيق درجات ارقى من الاستقرار والتطور، ولم يأت هذا من فراغ، بل تحقق هذا الهدف، عندما بدأ الجميع يشعرون بالجميع وانتشر التعاون والتكافل بين الجميع.
يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور آنفا: إن (المجتمع الحي هو المجتمع المبني على التعاون والتكاتف، كل فرد منه يعاضد الآخر في حوائجه، ويشاركه في أحزانه وأفراحه، فترى إذا نزلت نازلة على أحد، هب الجميع لكفاحها، وإذا احتاج فرد إلى حاجة، سعى غيره لها).
ولا شك ان التعاون يجب ان يكون حالة متبادلة، أي اذا قدم لك احدهم مساعدة في مجال ما، عليك أن ترد له هذا الفضل وتساعده في مجال آخر، لا يقتصر هذا على الافراد فحسب، انما يمتد الى الجماعات، وهكذا يصبح التعاون منهج حياة للمجتمع ككل.
لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (الأمر تبادل، فمن سعيت له سعى لك، ومن شاركته همومه شاركك همومك).
ويضيف سماحته قائلا في هذا المجال ايضا: (إن كل فرد يهتم بأمور الآخرين، يهتم بأموره، وكل فرد ينفرد بحوائج نفسه، كأنه ليس منهم، نبذ كما تنبذ النواة، فلا يعار له اهتمام، ولا يسعى له في حاجة.. وكلما زاد تعاون الأمة، زاد رقيها، وبالعكس، كلما انفصلت الأواصر بينهم، كثر الخمول والانحطاط. وعلى هذا يأمر الإسلام قال الله تعالى: *وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان*).
المجتمع كالقصر المشيَّد
من الواضح ان الانسان المتعاون سوف يكسب احترام الجميع وينال حبهم، لسبب بسيط، انه يتحلى بروح المشاركة والتعاون، والاستعداد الدائم للوقوف الى جانب الناس عندما يمرون في ضائقة او ازمة معينة، لذلك فإن الناس ترغب بالشخص الذي يعاونهم ويشاركهم همومهم ويتعاون معهم على تذليل مصاعبهم.
يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: إن (الساعي في الحوائج محبوب، أما الخامل فلا يحصل على محبة الناس، وكل الخير في من يهتم بالأفراد، وقد أكد الإسلام على السعي في الحاجات، ورغّب فيه، وجعل لكل قضاء ثواباً وحسنة). وأورد سماحته قولا للامام الصادق عليه السلام يقول فيه: (ما قضى مسلم لمسلم حاجة، إلا ناداه الله تبارك وتعالى: عليَّ ثوابك، ولا أرضى لك بدون الجنة).
وهكذا تدخل فريضة الصيام في حث الانسان الغني للوقوف الى جانب من يحتاجه، وذلك من خلال شعوره بحاجة الفقراء الى الطعام، لأن الفقير في كثير من الاحيان يتعرض للضائقة التي تمنعه من الحصول على ما يسد رمقه، حتى من الطعام البسيط، لهذا عندما يؤدي الغني فريضة الصيام سوف يشعر بالفقير الذي لا يتمكن من شراء طعامه بسبب فقره.
يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه: (إن الصائم يشعر بالجوع والعطش.. فتطهر روحه، وتسمو نفسه، ويجتمع بفكره مع الفقراء فيحس بألمهم، ويدرك ما يدركون، فيرقّ لهم ويعطف عليهم. إن شهر رمضان اجتماع في الليالي بالعبادة، وتفرق في النهار بالمعاش.. كله جد وعمل دنيا وآخرة، تبادل الحب، واجتماع فوق صعيد الطهارة، وتحليق في أجواء الروح).
وهكذا يشعر الغني بالفقير، ويقف الى جانبه، وتنتشر حالات التعاون والتكافل المتبادلة بين افراد وجماعات المجتمع، لتصبح منهجا حياتيا عاما، يشمل المجتمع كله، فيصبح مجتمعا متعاونا قائما على التكافل والتقارب والتسامح والانسجام، وبهذا تتداخل مكونات المجتمع مع بعضها لتصبح مزيجا متداخلا لا يستغني بعضه عن البعض الآخر.
لذلك يقول الامام الشيرازي في كتابه هذا، حول هذا الموضوع: (إن المجتمع كالقصر المشيد، إذا رمم كلما انصدع منه جانب، وشيدت كل دعامة لحقها الخراب، بقى أنيقاً قابلاً للسكنى، ولو ترك بحاله، لم يمض إلا يسير وقت، حتى تناله يد الانهدام).
شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/تموز/2013 - 13/رمضان/1434