خارطة طريق تعميم الفقر
استضافت قاعة فلسطين بجمعية «وعد» مساء الخميس الماضي ندوةً لمناقشة قرار رفع الدعم الحكومي عن المحروقات والسلع الأساسية.
الندوة تعزّز ما نشر في هذا العمود قبل أيام عن خطورة هذه السياسة التي ستؤدي إلى توسيع دائرة الفقر ومضاعفة أعداد الفقراء، وزيادة تعسير الحياة على أفراد الطبقات الدنيا والوسطى على حدٍّ سواء.
ينبغي القول إن الدعم الحكومي الحالي يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم، ويعتبر نوعاً أولياً وبسيطاً من عملية إعادة توزيع الثروة في المجتمع، وبالتالي فإن إعادة النظر في هذه السياسة إنّما يعني التخلي عن واحدةٍ من أهم وظائف الدولة والتزاماتها تجاه مواطنيها منذ مطلع الاستقلال. ولذلك لم يكن مستغرباً رفض المشاركين في الندوة لهذه السياسة، ومن منظورٍ اقتصادي/ اجتماعي بحت.
النائب جاسم حسين، أوضح أن الحكومة تقدّم الدعم لثلاثة أمور: الوقود، الكهرباء والماء، والطعام (اللحوم الحمراء والطحين والدجاج). وبالأرقام: بلغت قيمة دعم هذه السلع العام الماضي 36 مليون دينار، (20 مليون للحوم، و14 مليون للطحين، ومليونان للدجاج). فهذه هي اللقمة التي تتجه إليها بعض الأنظار لتجفيفها قبل أن تصل أفواه 80 في المئة من أبناء الشعب.
جاسم حسين يعترف بعدم معرفة قيمة الدعم الحقيقي لقطاع المحروقات ولا الكهرباء والماء، بسبب عدم الشفافية وتضارب الأرقام الرسمية ما بين 130 و189 مليون دينار.
مع هذه الضجة الكبيرة، وهذه السياسة التي ستعصف بأوضاع عشرات الآلاف من الأسر، نكتشف أن قيمة دعم المحروقات لا تتجاوز 2.4 في المئة فقط، بينما نسبتها 15 في المئة في العراق، و8 في المئة في الكويت، و5 في المئة في قطر، و3.5 في المئة في عمان، وحتى في الإمارات التي ضاعفت أسعار الوقود قبل عام، يبلغ دعمها للمحروقات 7 في المئة. وعليه فإن ما نقدّمه هو الأدنى خليجياً، وهو حدٌ معقولٌ بالمقارنة مع الناتج المحلي الذي يبلغ 21 مليار دولار كما يقول حسين. وذكّر بأن رفع الدعم عن المحروقات سيقود إلى ولادة شبح التضخم، الذي يعتبر أكبر عدوٍّ لأي اقتصاد، وهو أسوأ من البطالة، فهو يضر بالجميع دون استثناء. فهذه السياسة لن تخدم البحرين، فيكفي استيرادنا للتضخم الخارجي، فهل نحن بحاجةٍ إلى خلق تضخم محلي سيضرب ميزانية الأسرة البحرينية في الصميم؟ وفي ختام طرحه، أشار حسين إلى أن الحكومة هي المسيطرة على جميع الثروات، وهناك أخطاء، والمطلوب تقديم دراسة غير مسيسة، من جهة مستقلة مع طرح البدائل. فلا يمكن تغيير المنهج الاقتصادي بجرة قلم، فضلاً عن تغيير أنماط حياة الناس في طرفة عين.
الباحث الاقتصادي عبدالحميد عبدالغفار، اعتبر التلميح لرفع الدعم عن المحروقات ما هو إلا مقدمة لسحب الدعم عن جميع السلع، وإيجاد نظم ضريبية معقدة. وهو أكبر بالونة اختبار تطلق للعامة في 2010 وهو أمرٌ خطيرٌ جداً، «فنحن لا نريد أن تمر البحرين بوضعٍ صعبٍ كما مرّت به مصر والأردن عندما توجهتا إلى رفع أسعار الطحين. فمثل هذا القرار سينتج عنه انتقال شريحة كبرى من الطبقة المتوسطة إلى الفقر المدقع»، وهي ذات النتيجة التي تنبأ بها الكاتب قبل أيام.
البعرة تدلّ على البعير، ورفع الدعم ينذر الآلاف بسوء المصير، فإلى أين المسير؟
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3005 - الأحد 28 نوفمبر 2010م الموافق 22 ذي الحجة 1431هـ